ليس هناك دليل قاطع على ضبط أفراد الصحابة بعدد معين، وما يذكر من ذلك فإنما هو تبيان لأعداد من الصحابة كانوا في مشهد مخصوص، أو أن ذلك كان باعتبار وقت من الأوقات، أو حال من الأحوال، أو كونهم في بلد معين يجمعهم.
ومما يؤيد هذا ما ذكره ابن الصلاح في مقدمته عن أبي زرعة الرازي حيث سئل عن عدة من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ومن يضبط هذا؟! شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع أربعون ألفاً، وشهد معه تبوك سبعون ألفاً) [16].
وفي رواية أخرى عنه قال: (توفي النبي صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة وكل قد روى عنه سماعاً أو رؤية) [17].
وقال ابن كثير: "وأما جملة الصحابة فقد اختلف الناس في عدتهم، فنقل عن أبي زرعة أنه قال: يبلغون مائة ألف وعشرين ألفاً" [18].
وقال ابن الأثير: "وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم… كثيرون فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد حنيناً ومعه اثنا عشر ألفاً سوى الأتباع والنساء، وجاء إليه هوازن مسلمين فاستنقذوه حريمهم وأولادهم، وترك مكة مملوءة ناساً وكذلك المدينة أيضاً: وكل من اجتاز به من قبائل العرب كانوا مسلمين فهؤلاء كلهم لهم صحبة وقد شهد معه تبوك من الخلق الكثير ما لا يحصيهم ديوان، وكذلك حجة الوداع وكلهم له صحبة" [19].
ومما تقدم يتضح أن ضبط الصحابة رضي الله عنهم في عدد معين غير ممكن وأن كل من ذكر شيئاً من هذه الأعداد فإنما حكاه على قدر تتبعه ومبلغ علمه وأشار بذلك إلى وقت خاص وحال، فإذاً لا تضاد بين كلامهم ولا تعارض [20].